اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 534
صاحبي في السجن أو يا ساكني السجن كما قيل لسكان الجنة أصحاب الجنة أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ أي مختلفون في الكبر والصغر واللون من ذهب وفضة وحديد وصفر وخشب وحجارة وغير ذلك خَيْرٌ لكما أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) أي هذه الأصنام معمولة ومقهورة فإن الإنسان إذا أراد كسرها قدر عليها فهي مقهورة ولا ينتظر حصول منفعة من جهتها وإله العالم فعال قهار قادر على إيصال الخيرات ودفع الآفات. والمراد أعبادة آلهة شتى مقهورة خير. أم عبادة الله المتوحد بالألوهية الغالب على خلقه ولا يغالب خير. ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ أي من غير الله شيئا إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أي إلا ذوات. أوجدتم وآباؤكم لها أسماء آلهة بمحض ضلالتكم ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أي بتلك التسمية المتتبعة للعبادة مِنْ سُلْطانٍ أي من حجة تدل على صحتها وتحقيق
مسمياتها في تلك الذوات فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة عن الذوات. والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ثم أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ليس الحكم في أمر العبادة إلا لله فليس لغير الله حكم واجب القبول ولا أمر واجب الالتزام أَمَرَ على ألسنة الأنبياء عليهم السلام أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ لأن العبادة نهاية التعظيم فلا تليق إلا بمن حصل منه نهاية الأنعام وهو الله تعالى لأن منه الخلق والإحياء والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة وجهات إحسانه إلى الخلق غير متناهية ذلِكَ أي تخصيصه تعالى بالعبادة الدِّينُ الْقَيِّمُ أي الذي تعاضدت عليه البراهين عقلا ونقلا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) أن ذلك هو الدين المستقيم لجهلهم بتلك البراهين
ولما فرغ سيدنا يوسف من الدعاء إلى عبادة الله تعالى رجع إلى تعبير رؤياهما فقال: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما وهو الشرابي فَيَسْقِي رَبَّهُ أي سيده خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ وهو الخباز فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.
روي أن الساقي لما قصّ رؤياه على يوسف قال له: ما أحسن ما رأيت. أما الكرم: فهو العمل الذي كنت فيه، وأما العنب: فهو عزك في ذلك العمل، وأما الأغصان الثلاثة: فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن، وأما العنب الذي عصرت وناولت الملك: فهو أن يردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن، ولما قص الخباز رؤياه على يوسف قال له: بئسما رأيت. أما خروجك من المطبخ: فهو أن تخرج من عملك، وأما ثلاث سلال: فهي ثلاثة أيام تكون في السجن، وأما أكل الطير من رأسك: فهو أن يخرجك الملك بعد ثلاثة أيام ويصلبك وتأكل الطير من رأسك ففزعا لتعبير رؤيا الخباز وقالا جميعا: ما رأينا شيئا إنما كنا نلعب فقال لهما يوسف: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41) أي تم الأمر الذي تسألان عنه رأيتما أو لم تريا فكما قلتما وقلت لكما كذلك يكون وَقالَ أي يوسف عليه السلام لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ أي للرجل الذي ظنه ناجيا من القتل مِنْهُمَا أي من صاحبيه وهو الساقي: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي عند سيدك الملك الكبير فقل له: إن في السجن غلاما يحبس ظلما خمس سنين فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أي أنسى الشيطان بوسوسته الشرابي ذكره ليوسف عند الملك. ويقال: فأنسى الشيطان يوسف أن يذكر ربه حتى طلب
اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 534